إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
أبي قاسم الشابي
أغمض عينيه، وراح يسمع أصوات أنفاسه البطيئة، راح يستمع لصوت عقارب الساعة حين سرقت لحظات إنتظاره لهذا الحدث، أصوات هتافات الجمهور المتفائلة والمتدرجة في العُلوِّ و أصوات نقرهم على كاميراتهم لتصويره. و إذ بصوت صفارة الحكم تكسر جميع المشاهد و الأصوات وتكون هي الصوت الأعلى بينهم جميعاً. فتح عينيه ببطء
و لم يرى شيئاً سوى مرماه وبضع كلمات مُخبّةٌ يُحدث بها نفسه: " سأهزم نفسي هذه المرة ". استجمع تدريبات السنين ثم انطلق. أمتار قليلة تفصل بينه وبين نقطة القفز فوق الحاجز. استخدم عصاه وقفز، وقفز شموخه أيضاً ليبتدأ الزمن بالتقارب و كأنّ عقارب الساعة بدأت بإحتضان بعضها البعض لتُذكّره بكل ما مضى من ذكريات و تدريبات و تعب و عطش و خسارة..! لحظات الإحتضان بدأت بالإنفصال وبدأ الزمن بالتسارع من جديد لكي يعود نازلاً إلى الساحة بعدما عَلا. صاح الجمهور مرةً آخرى وسعادتهم لن استطيع وصفها. أخذ يتهامس أعضاء لجنة التحكيم ليعلنوا بفوزه للمرة الأولى وبفارق 4 سم بينه وبين صاحب أعلى رقم قياسي في اللعبة.
ما ألذ طعم الفوز، و ما ألذ حديث الناس عنك و عن قدراتك و فوزك، و ما ألذ طعم الذكريات بعد سِن التقاعد. أنها 4 سنتمترات فقط دخل بعدها أبواب التاريخ، 4 سنتمترات فقط حَرَثَ السنين ليكسرها، 4 سنتمترات قد لا تكون شيئاً في نظر الكثير و قد تكون كل شيء في نظر البعض، 4 سنتمترات غيّرت مجرى اللعبة، و ما الحياة إلّا لعبة...
لكل منا لعبة يحترفها، يحاول أن يكسر كل المقاييس ليفوز بأعلى العلامات بها. حسناً، أنها مُسلّيةٌ حقاً، ولكن لما لا نوسع أجزاء اللعبة قليلاً لتشمل حياتنا أيضاً، فنكون نحن المسيطرين وليست هي. تحدثت كثيراً عن الأهداف وغيري أيضاً كثير، وبدأ الغالب منا يعرف أين يقع هدفه وحاول فعلاً التوجّه إليه، ولكن لماذا لم نصل لها؟ أين يكمن الخلل؟ هل الخلل من نفسي أم من اللعبة؟
اتذكر دائماً حينما ألعب أيّ لعبةٍ و أواجه طريقاً مسدودة فأنا على يقين بأن الخطأ ليس من اللعبة، فدائماً أحاول أن أُغير خُططي في اللعب لكي أتغلب على أيِّ مواجهةٍ كانت. أدركت بأن لعبة ( الحياة ) كذلك هي أيضاً، فلا خلل بها لأنها من صُنع رب العالمين، ولكن يقع الخلل بنا، فنحن لا نبذل أقصى ما نستطيع لنبلغ ما نريد، فقط نكتفي بالتوجّه وحين لا نستطيع بلوغ الهدف نردد دائماً: " الخيرة فيما اختاره الله "، أنا أعلم جيداً بأن الخيرة بيد الله عزّ وجلّ فهذا ليس بجديد ولكن لماذا يتم تسخير هذه المقولة فقط لنتهاون و كأن الطريق مغلقة للأبد. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يُتقنه ) أخرجه الطبراني وصححه الألباني.
ياسيدي، أنها 4 سنتمترات فقط، أحتضن عقارب الساعة و ترقّب الهتافات العالية وحاول أن تتخطاها بكل قوة. وتذكّر دائماً بأن الماء لا يغلي عند 99 درجة مئوية بل بعدها بدرجةٍ واحدةٍ فقط، وحين يغلي يتكوّن البُخار، و بالبُخار تتحرك القطارات..!
أخوكم/ أحمد النعيم