السبت، 21 يوليو 2012

الديك لا يبيض

     سنة 1422 هـ الموافقة لعام 2001 م، في صباح أحد أيام الدراسة المعتادة، دخل استاذي لمادة التاريخ إلى الفصل لشرح درس هذا اليوم. لم نأخذ من الوقت سوى القليل لإنهاء الدرس، ولا أعلم هل انتهينا مبكراً بسبب استيعابنا السريع جداً أم ان الأستاذ لم يعطي الدرس حقه. تبقى من وقت الحصة الكثير لذا قرّر الأستاذ أن يلعب معنا ليُنهي الحصةَ بقليلٍ من التسلية. وقف الأستاذ بجانب صديقي عبد العزيز بالصف الأمامي من الفصل على اليمين، فقال لنا: "لعبتنا سهلة وهي أني سأقول جملة سرّية قصيرة لزميلكم عبدالعزيز وبعد ذلك سيقول عبدالعزيز لزميله الذي بجانبه نفس الجملة وهكذا حتى تصل هذه الجملة إلى عمر وهو آخر طالب بالصف الخلفي بعدها سيقف عمر ليقول الجملة بصوت عالٍ ليسمعها الجميع"، وكانت شروط اللعبة أن لا نختلس بالسمع فقط. بسم الله نبدأ, الجملة السرية -بصوت يهمس منخفض جداً " الديك لا يبيض "، بدأ انتقال الجملة بين الطلاب بشكل مرتب وكان الهدوء قد عمَّ الفصل ولم أكن اسمع الّا همساً خفيفاً حين تنتقل الجملة السرّية شفهياً بين الطالب والآخر. اشتدت حماستي لمعرفة آخر ما سيحدث وماذا سيقول عمر آخر طالب. حسناً انتهينا، قال المعلم: " قف يا عمر وقل ما سمعت ". قال عمر: " الجملة السرّية هي: مفتاح السيارة ضائع!!!"، اصبت بالذهول مما قاله وضحكت. في نفس الحين ابتسم الأستاذ وقال: " عيشوا دنياكم وستفهمون ماذا أقصد بهذه اللعبة!" ثم خرج...

     عدد طلاب الفصل ذاك الوقت مايقارب الأربعين طالباً وبالرغم من امتلاكنا ببقايا  من براءة الأطفال إلّا ان جملةً واحدةً حين تداولت بيننا حُرِّفت بالكامل. ماكان يعني الأستاذ بمثل هذه اللعبة؟، حقيقةً لم أفهمها إلّا في وقت متأخر، فهمت أن جملة بسيطة انتهِكت بسبب 40 مراهق، حسناً ماذا لو ازداد العدد قليلاً، قليلاً فقط، إلى 100.000 شخص!، تخيل أنت ماذا سيكون مصير الديك الذي لا يبيض؟!

     حقيقةً لا يكاد يمر بي يوم واحد إلّا وتقال لي أخبار متفرقةٌ قد بدأت بكلمة " يقولون "، هذه الكلمة التي أراها مفتاحاً للهروب من مسؤولية صحة نقل الخَبر. ومن أسباب انتشار هذه الظاهرة - المألوفة - هو البيئة الخصبة التي من خلالها تمكنت هذه الظاهرة بزرع نفسها في تربة الوسائل التقنية الحديثة والتي بواسطتها تَمكن ضعيفوا الأنفس من إخفاء هوياتهم والإطاحة بضعيفي العقول للنشر.

     في الواقع لن استطيع أن انصحكم بترك هذه الوسائل الحديثة فهذا شئ شبه مستحيل في وقتنا الحالي، ولكني ادعوك لكي ترى نفسك للحظات، هل أنت من أصحاب النفوس الضعيفة؟ أم أنت من أصحاب العقول الركيكة؟ هل أنت ممن تقف عندهم شائعات الأخبار أم أنك ممن تزيد في إنتشارها؟ أنا فقط انصح كثيري الحديث من الرجال والنساء لعمل ما أمرنا الله به في سورة الحجرات ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )، كن كالمنقي -فلتر- لمنع الأحاديث المكذوبة المسمومة وتأكد منها إن رغبت بإخراجها من لسانك. وإن حدّثك زميل لك وبدأ حديثة بكلمة " يقولون " تذكّر الديك ثم ابتسم.

بقلم/ أحمد خالد النعيم